responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 201
فَبَيَّنَ كَمَالَ ظُلْمِهِمْ بِالْإِعْرَاضِ بَعْدَ إِبَانَةِ الْآيَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها [الكهف: 57] ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السَّجْدَةِ: 22] وَكَيْفِيَّتُهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ سَيْلًا غَرَّقَ أَمْوَالَهُمْ وَخَرَّبَ دُورَهُمْ، وَفِي الْعَرِمِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْجُرَذُ الَّذِي سَبَّبَ خَرَابَ السِّكْرِ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ بِلْقِيسَ كَانَتْ قَدْ عَمَدَتْ إِلَى جِبَالٍ بَيْنَهَا شُعَبٌ فَسَدَّتِ الشُّعَبَ حَتَّى كَانَتْ مِيَاهُ الْأَمْطَارِ وَالْعُيُونِ تَجْتَمِعُ فِيهَا وَتَصِيرُ كَالْبَحْرِ وَجَعَلَتْ لَهَا أَبْوَابًا ثَلَاثَةً مُرَتَّبَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَكَانَتِ الْأَبْوَابُ يُفْتَحُ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ، فَنَقَبَ الْجُرَذُ السِّكْرَ، وَخَرِبَ السِّكْرُ بِسَبَبِهِ وَانْقَلَبَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْعَرِمَ اسْمُ السِّكْرِ وَهُوَ جَمْعُ الْعَرِمَةِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ ثَالِثُهَا: اسْمٌ لِلْوَادِي الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ الْمَاءُ وَقَوْلُهُ: وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ بَيَّنَ بِهِ دَوَامَ الْخَرَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَسَاتِينَ الَّتِي فِيهَا النَّاسُ يَكُونُ فِيهَا الْفَوَاكِهُ الطَّيِّبَةُ بِسَبَبِ الْعِمَارَةِ فَإِذَا تُرِكَتْ سِنِينَ تَصِيرُ كَالْغَيْضَةِ وَالْأَجَمَةِ تَلْتَفُّ الْأَشْجَارُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَتَنْبُتُ الْمُفْسِدَاتُ فِيهَا فَتَقِلُّ الثِّمَارُ وَتَكْثُرُ الْأَشْجَارُ، وَالْخَمْطُ كُلُّ شَجَرَةٍ لَهَا شَوْكٌ أَوْ كُلُّ شَجَرَةٍ ثَمَرَتُهَا مُرَّةٌ، أَوْ كُلُّ شَجَرَةٍ ثَمَرَتُهَا لَا تُؤْكَلُ، وَالْأَثْلُ نَوْعٌ مِنَ الطَّرْفَاءِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ إِلَّا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْعَفْصِ أَوْ أَصْغَرُ مِنْهُ فِي طَعْمِهِ وَطَبْعِهِ، وَالسِّدْرُ مَعْرُوفٌ وَقَالَ فِيهِ قَلِيلٌ لِأَنَّهُ كَانَ أَحْسَنَ أَشْجَارِهِمْ فَقَلَّلَهُ اللَّهُ، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى كُفْرَانِهِمْ فَقَالَ: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي أَيْ لَا نُجَازِي بِذَلِكَ الْجَزَاءِ إِلَّا الْكَفُورَ قَالَ بَعْضُهُمُ الْمُجَازَاةُ تُقَالُ فِي النِّقْمَةِ وَالْجَزَاءُ/ فِي النِّعْمَةِ لَكِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِي النِّقْمَةِ، وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَخَذَهُ مِنْ أَنَّ الْمُجَازَاةَ مُفَاعَلَةٌ وَهِيَ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ تَكُونُ بين اثنين، يؤخذ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءً فِي حَقِّ الْآخَرِ. وَفِي النِّعْمَةِ لَا تَكُونُ مُجَازَاةً لِأَنَّ اللَّهَ تعالى مبتدئ بالنعم. ثم قال تعالى:

[سورة سبإ (34) : الآيات 18 الى 19]
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
أَيْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّامِ فَإِنَّهَا هِيَ البقعة المباركة. وقرى (ظَاهِرَةً) أَيْ يَظْهَرُ بَعْضُهَا لِبَعْضِهَا يُرَى سَوَادُ الْقَرْيَةِ مِنَ الْقَرْيَةِ الْأُخْرَى، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا مِنَ النِّعَمِ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَبْدِيلِ نِعَمِهِمْ قَوْلُهُ: وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ فَكَيْفَ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى بَيَانِ النِّعْمَةِ بَعْدَ النِّقْمَةِ؟ فَنَقُولُ ذَكَرَ حَالَ نَفْسِ بَلَدِهِمْ وَبَيَّنَ تَبْدِيلَ ذَلِكَ بِالْخَمْطِ وَالْأَثْلِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ خَارِجِ بَلَدِهِمْ وَذَكَرَ عِمَارَتَهَا بِكَثْرَةِ الْقُرَى، ثُمَّ ذَكَرَ تَبْدِيلَهُ ذَلِكَ بِالْمَفَاوِزِ وَالْبَيَادِي وَالْبَرَارِي بِقَوْلِهِ: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ (رَبُّنَا بَعَّدَ) عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَقَوْلُهُ: وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ الْأَمَاكِنُ الْمَعْمُورَةُ تَكُونُ مَنَازِلُهَا مَعْلُومَةً مُقَدَّرَةً لَا تَتَجَاوَزُ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَةٍ مَسِيرَةُ نِصْفِ نَهَارٍ، وَكَانُوا يَغْدُونَ إِلَى قَرْيَةٍ وَيَرُوحُونَ إِلَى أُخْرَى مَا أَمْكَنَ فِي الْعُرْفِ تَجَاوُزُهَا، فَهُوَ الْمُرَادُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 201
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست